الواقع خير شاهد

عقد بمدينة الملك فهد الطبية – بالرياض مؤتمر حول ” الدعم الروحي والديني للمرضى”.

وقد لقي المؤتمر استحسان وقبول المشاركين والمشاركات وكان له صيت طيب في الوسط الطبي وخارجه ليس فقط لجودة المادة المطروحة في المؤتمر وأهميتها في كشف وتأكيد حق المريض الروحي والديني – المغيب وللأسف – عندنا في كثير من الحقوق والصور، بل إن جمال المؤتمر وإبداعه كان في ترتيبه وطريقة تنظيمه .فقد حضر المؤتمر مئات من الجنسين -الرجال والنساء- وعلى غير عادة المؤتمرات الطبية فقد تم فصل الرجال عن النساء كل في قاعة مستقلة وكان بين القاعتين ما يقارب 500 م وتم نقل المؤتمر لقاعة النساء عن طريق النقل الفضائي، ومع ذلك لم يمنع هذا من وجود مشاركات قمن بطرح بعض الأوراق البحثية عن طريق النقل الصوتي للرجال . وقد نجح المؤتمر ونجحت هذه الطريقة بامتياز وأوضح دليل على هذا هو العدد الكبير الذي حضر المؤتمر ، فقد حضره  من جانب النساء أربعمائة وخمسين امرأة من بين طبيبة ومهتمة وهذا العدد يعتبر كبيرا إذا ما قورن بكم الحضور في المؤتمرات الأخرى ، وأيضا من دلائل النجاح ارتياح الحاضرات لهذه الطريقة سواء عند الدخول والخروج أو عند الجلوس في القاعة أو حتى عند التعليق والمناقشة بخلاف لو كان المكان في قاعة الرجال أو كانت المداخل والمخارج متقاربة. بل كان الفرح بهذه الطريقة في أوساط المشاركات سابقا للمؤتمر حيث أن عددا منهن إنما عزمن على المشاركة بعد معرفتهن بأنهن سيكن في قاعة منفصلة عن الرجال ولن يواجهن حرجا كما يحدث عادة في كثير من المؤتمرات ، بل إن من المواقف المفرحة أن باحثة غربية مسلمة تعمل في المجال النفسي للمرضى في أحد المستشفيات الكبيرة بالرياض كان مخططا أن تحاضر في المؤتمر وتقدم ورقة بحث فيه لكن الغريب أنها اشترطت للمشاركة أن تكون في قاعة منفصلة عن الرجال وألا تتحدث أمامهم ، ولما علمت من المنظمين للمؤتمر أنهم غير متأكدين من تحقق ذلك لوجود بعض العوائق التقنية قامت هذه المرأة (الغربية لكنها مسلمة) بسحب ورقتها والإعتذار عن المشاركة في المؤتمر ! .

إن خلط الرجال بالنساء في قاعة واحدة – وإن كانوا في صفوف منفصلة – قد اعتاده المنظمون للمؤتمرات الطبية مع أنه أمر مغلوط ، وكثيرا ما كانوا يعتذرون عن فصل الرجال عن النساء بأنه غير ممكن في المؤتمرات بل قد يسبب فشل المؤتمر وأن الحاجة تقتضي جمع المشاركين والمشاركات في قاعة واحدة. وفي أحيان أخرى يأتي من يقول إن أمر اجتماع الرجال بالنساء في قاعة واحدة أمر طبيعي ولا يحتاج إلى استنكار أو استهجان ، وأعيذ هؤلاء أن يكونوا ممن لايهتدي للحق ولا ينشد الصواب .

إنني أقول وأؤكد أن اعتياد جمع الرجال بالنساء في المؤتمرات في قاعة واحدة تسبب في عزوف كثير من المهتمات عن حضور تلك المؤتمرات سواء في الجانب الطبي أو غيره، فعدد من المثقفات والطبيبات وغيرهن يرين في ذلك إغلاقا عليهن في حريتهن وسلب حقهن في أن يكن بعيدات عن الرجال خاصة أن عندنا قدرة على تسخير وسائل التقنية الحديثة لتحقيق هذا المقصد الشريف الذي هو مقصد شرعي إضافة إلى أنه حق انساني وعقلي لكل مشاركة تحب أن تصون نفسها عن الرجال وتأخذ كامل حريتها عند حضورها.

إنه من المعروف لدى العقلاء أن ” الواقع خير شاهد” وحيث أن هذا المؤتمر قد أعطى استقلالا كاملا للنساء بل كان هذا سببا رئيسا من أسباب نجاحه وتميزه ، إذن لنا أن نقول أن هذه الطريقة يمكن أن يعمل بها في باقي المؤتمرات ، وفي نفس الوقت لنا أن نسحب هذا المثال ونقول بأنه يمكن أن يعمل على وجود مستشفيات منفصلة يستقل فيها النساء عن الرجال مع ملاحظة أن هذا الأمر يحتاج إلى مجهود وطاقة أكبر من المؤتمر لكن مع وجود العزيمة الصادقة يستسهل كل صعب .

إنه من المؤسف أن توجد مستشفيات خاصة بالنساء في دول أخرى قد لا تراعي الدين والقيم بشكل كبير بينما يكون وجود ذلك عندنا أمرا مستنكرا مستصعبا ومقترحه مستهجنا ، بل ربما قيل للناس أنه محال بل هو طريق للفشل . فنسأل الله أن يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين .

وإنني بهذه المناسبة أناشد وزير الصحة والمسؤولين في المستشفيات أن يروا الله من أنفسهم خيرا في هذا الشأن وأن يهتموا بحق النساء ورغبتهن في عدم مخالطة الرجال سواء في المؤتمرات أو في غيرها ، وأن يكون هذا المؤتمر مثالا ونموذجا حسنا يحتذى . شكر الله للقائمين على هذا المؤتمر ووفقنا جميعا للسداد والصواب في القول والعمل والله من وراء القصد .

د. طارق بن صالح الفواز

طبيب استشاري بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض

اتصل بنا

نسعد بتلقي ملاحظاتكم

9 + 15 =